كوارث طبيعية وأخرى بشرية

بقلم حكيم مرزوقي أيلول/سبتمبر 19, 2023 32

كوارث طبيعية وأخرى بشرية


قوافل المساعدات الإسعافية التي رأيناها تتدفق نحو الشقيقتين ليبيا والمغرب، تنم عن سمعتي هذين الشعبين ومكانتهما في قلوب الأشقاء والأصدقاء.
الكوارث الطبيعية تفضح حجم الغش والفساد
غالبا ما تكشف الكوارث الطبيعية وتفضح هشاشة البنى التحتية وما رافقها من غش وتقصير وفساد.

نفس الكوارث من أعاصير وعواصف وزلازل وفيضانات، تمر ببلاد متقدمة وتحط رحالها هناك فلا تكاد تخلّف أضرارا تُذكر، بينما تفعل في غالبية البلدان العربية والأفريقية ما تفعله الريح بأكواخ الفقراء ومراكب صغار الصيادين.

صحيح أن غضب الطبيعة لا يفرق بين غني وفقير، ولا بين متعلم وأمي، لكنه يرتد ويعود القهقرى أمام من استعد لمقاومته وحصّن نفسه، بينما يمضي في بطشه وعبثه بمساكن المساكين والمنكل بهم من طرف الفاسدين والمستكرشين.

ولو تأملنا في الكوارث التي تصيب بؤساء هذا العالم من مهجرين ومشردين وراكبي أمواج الهجرة السرية، لردد الواحد مع نفسه متألما، ذاك المثل الشامي البليغ “فوق الميتة عصّة قبر”.

الحقيقة أن هناك ترابطا منطقيا بين شتى أنواع المصائب، وإن خفيت حلقاتها فبدت تراكما عشوائيا من الفجائع، وكأنما الأقدار والطبيعة تتفقان وتتآمران على أناس بعينهم.

يتجلى هذا الأمر واضحا في الهزات الأرضية المدمرة التي ضربت شمال سوريا وجنوب تركيا منذ بضعة أشهر، وكان ضحيتها المئات من المهجرين واللاجئين تحت صقيع شتاء لا يرحم.

لقد تحالف في تلك الكارثة الظلم مع الفقر والفساد ثم جاءت الطبيعة لتسهّل من عملية تنفيذ تلك المؤامرة.

الأقدار هي رمية النرد فوق الطاولة أمام اللاعب الذي عليه أن يرتب الأحجار بإتقان ومهارة وذكاء فوق الخانات المناسبة.. ذلك هو مصير الإنسان في مواجهته للطبيعة، ولا يزال، منذ أقدم العصور.

أما الهوامش الموزعة والمتفرقة بين قدرات الإنسان وقوى الطبيعة فهي مجموعة قيم بشرية كالتعاطف والتآزر والتضامن في الشدائد، وهي في عمقها “عقد اجتماعي” أبرمته الرغبة في البقاء والحفاظ على الجنس البشري.

إن تبرع الإنسان ببعض من ماله ودمه وطعامه وكسائه للمنكوب والمصاب والجائع والمشرد، واجب حتمي تمليه الحاجة إلى من يقدم له نفس الخدمات في حال ألمت به مصيبة ما.

هذا ما يمليه منطق الطبيعة الذي يأبى الفراغ، وما ينفك يمارس نشاطه في مكان ما ووقت ما من هذا العالم.

أما ما لا يقبله منطق الطبيعة ولا سنّة التواصل البشري، فهو أن لا يحدث الإنسان بنعمة ربه في جدوى التعاضد والتضامن الإنساني.

قوافل المساعدات الإسعافية التي رأيناها تتدفق نحو الشقيقتين ليبيا والمغرب إثر كارثتي الزلزال والإعصار، تنم أيضا، عن سمعتي هذين الشعبين ومكانتهما في قلوب الأشقاء والأصدقاء، علاوة عن كون الأمر واجبا إنسانيا.

هكذا تتداخل جملة عوامل وتتشابك إلى حد التعقيد، في مسألة الكوارث الطبيعية من حيث الأسباب وطرق معالجتها ومن ثم تقييمها والعمل على اتقائها.

حكيم مرزوقي
كاتب تونسي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه