تحت المجهر
د . موفق الخطاب
(( مراكش تدفن ضحاياها و درنة تستغيث ))
فجعت أمتنا في الأسبوع المنصرم بحدثين عظيمين اهتز لهما العالم من هول وقعهما و بشاعة المناظر الذي خلفته كل من الهزة الأرضية التي ضربت مناطق واسعة في الجنوب الغربي من مدينة مراكش في مغربنا العربي الشقيق ، ولم نكاد نستفق من هول تلك الصدمة لنصبح على خبر فاجعة الإعصار والطوفان الذي إجتاح مدينة درنة (إعصار دانيال) في الجانب الشرقي من دولة ليبيا الشقيقة. ويعجز اللسان ويتسمر القلم عن توصيف حجم الدمار وقد نقلت الفضائيات و وسائل التواصل الاجتماعي جانبا منه وهي تبكي عتاة البشر وتصدع الحجر .
وما يلفت النظر في وقوع الهزات الأرضية وارتداداتها هذه الأيام أنها تقع في مناطق غير مصنفة بمنطقة زلازل!
وفيما يتعلق بتفادي هذه الهزات والتنبيه بوقوعها قبل فترة مريحة فما زال العلم الحديث كطفل يحبو أمام هذا التحدي ورغم التقنية المتطورة لكنها أعجزت العلماء وجعلتهم في حيرة من أمرهم سوى رصدهم لبعض الظواهر قبيل وقوعها بدقائق معدودات وتسجيلهم لقوة الهزة على مقياس ريختر، ويبقى ما يجري في باطن الأرض وقشرتها خارج نطاق العلم وسيطرة البشر .
أما موضوع الأعاصير والفيضانات فبالرغم من كونها كوارث طبيعية كذلك لكنه يسجل أن هنالك تقصير فني من قبل بعض الانظمة والحكومات والتي تساهم في وقوعها وخاصة تلك الدول التي تحيط بها الخزانات المائية الضخمة والسدود القديمة والتلكوء في صيانتها كما حصل مع إنهيار للسد في مدينة درنة الليبية والذي ساهم في الدمار مع قوة الإعصار.
واليوم فالأخطار محدقة حول سد الموصل لاقدر الله والذي مضى على دخوله الخدمة 40 عاما وقد حذرت جهات علمية عديدة من التشققات في قواعده!!
وبعض من هذه السدود خارج عن الحاجة الفعلية وهي تستخدم كورقة ضغط سياسية على دول المصب مثلما تتبعه إيران و تركيا بالضد من العراق، وأثيوبيا بالضد من جمهورية مصر العربية في اصرارها على ملئ سد النهضة ، ولا نستثني من ذلك تلك المدن التي تشاطئ البحار دون الأخذ بنظر الإعتبار موضوع الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وما يحذر منه علماء البيئة من ذوبان في القطبين، وتدخل البشر بالتغيير في طوبوغرافية الأرض من إجراء التجارب النووية والصاروخية و الحفريات و الدفان والبناء بعيدا عن الدراسات والتوصيات ...
لنضع جانبا كثرة التحاليل والأقاويل عن أسباب وقوع هذه الكوارث وهل هي طبيعية أم بتأثير خارجي وفعل فاعل ، فنحن اليوم أمام كارثة انسانية تعجز كلتا الدولتين الشقيقتين عن تحمل تداعياتها وهما أمام مخاطر جمة من التلوث البيئي وانتشار الأوبئة جراء تناثر الجثث والأشلاء وتدمير شبكة المياه والصرف الصحي والمجاعة والأمراض المعدية رغما عن الجهود الجبارة التي تبذل من قبل فرق الإنقاذ والجسر الجوي لتدفق المساعدات من اغلب دول العالم وخاصة المتوجه الى المغرب الشقيق ..
لكنه وعلى الجانب الآخر فهنالك تقصير في الحشد الدولي لمساندة ليبيا الشقيقة في نكبتها التي تفوق تداعيات الهزة الواقعة في المغرب الشقيق ، حيث أن بعض الدول والأنظمة أحجموا عن تقديم المساعدة الإنسانية وبعضها مخجل وآخرين اكتفوا بإصدار بيانات وبرقيات تعزية وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء !!
وربطوا احجامهم دون تصريح منهم بمواقفهم السياسية من نظام الحكم فجناح يتعاطف مع حكومة بنغازي كونها منطقة نفوذ لهذه الجهة الصديقة بينما يتعاطف الآخر مع حكومة طرابلس والله المستعان !
وآخرين أصموا آذانهم عن نياح الثكالى وبكاء الأيتام الذين يتضورون جوعا وهم في العراء وأشاحوا بوجههم عنهم كليا وتناسوا توجيه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) .
لا بل أن بعضهم ذهب إلى أن ما وقع في ليبيا الشقيقة هو عقوبة ربانية لذنب إقترفه النظام السابق بحق ابن عمه !!
ما هذا العقل الأجوف و القلب المتحجر؟
فليس من الإنسانية ولا من الرحمة ولا من الأخلاق أن تشاهد اخا لك وقد فجع في أهله وماله و ولده وقد تدمر مسكنه لتصد عنه لأنه يخالفك في المذهب و المعتقد أو أنه من قومية غير قوميتك أو من دين غير دينك أو من قبيلة غير قبيلتك أو أن هنالك بين أجداده واجدادك ثأر قديم !!!
صدقوني أن ما أصاب الشعبين الشقيقين اليوم في وسط هذا العالم المليئ بالبغضاء والمكر والخداع من الممكن أن يصيب أي شعب ودولة وليس ذلك ببعيد.
ما يعانيه اليوم الناجون من بني جلدتكم فيه درس بليغ وهو إمتحان عسير لهم ولكم فتكاتفوا وهلموا لنجدتهم قبل فوات الأوان..
وتذكروا المثل العربي:
فإنما قد أُكلت منذ أن أُكل الثور الأبيض.
وأخيرا :
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسّرت آحادا..